الأربعاء, نوفمبر 5, 2025
الرئيسيةأحدث الأخباراعتقال اللواء عصام فضيل.. نذير انهيار الدعم السريع

اعتقال اللواء عصام فضيل.. نذير انهيار الدعم السريع

سودان تمورو:

اعتقال اللواء عصام فضيل من قبل قيادة قوات الدعم السريع لا يُقرأ إلا بوصفه علامة فاصلة على انحدار هذا الكيان المسلح نحو التفكك الذاتي. الأمر لم يكن يوماً خلافاً شخصياً أو خرقاً تنظيمياً عادياً، بل هو انفجار متوقع لصراع داخلي ظل يتصاعد بصمت منذ أن بدأت أحلام السيطرة على الخرطوم تتهاوى، وتكشّف هشاشة المشروع القائم على الولاءات القبلية والمصالح الضيقة. هذا الاعتقال هو رسالة مرعبة لكل من تبقى في صفوف المليشيا الهروب لن يُغفر، والتفكير في النجاة جريمة لا تغتفر.

لم تكن مليشيا الدعم السريع سوى تكتل انتهازي منذ نشأتها، استثمرت في حالة الفوضى، ونمت على تربة الانقسام المجتمعي. ولأنها لم تكن يوماً مؤسسة، بل أداة مؤقتة، فقد كان متوقعاً أن تنقلب على نفسها مع أول علامة ضعف. الضابط السابق بالجيش اللواء عصام فضيل، والذي انضم إلى هذه المليشيا بحثاً عن سلطة أو موقع، وجد نفسه اليوم يُعاقب على ذات الدافع الذي قاده إلى الانضمام. لم يكن خائناً عندما تخلى عن الجيش، لكنه صار خائناً فقط عندما فكّر في العودة إليه أو البحث عن بديل! هكذا منطق المافيات.. الولاء مطلق، والخروج لا يتم إلا إلى القبر أو الزنزانة.

ما يجري الآن داخل الدعم السريع ليس إلا عودة مأساوية إلى نقطة البداية.. الاحتماء بالعصبية القبلية بعد فشل المشروع السياسي والعسكري. فالمليشيا التي كانت تزعم لنفسها “ثورية” الهوى، سقط قناعها أمام أول اختبار حقيقي. لم تعد قادرة على تقديم أي رواية مقنعة حتى لأفرادها، فضلاً عن الشارع السوداني الذي يرى فيهم أدوات خراب. اعتقال واغتيال وتصفية أسماء مثل سفيان بريمة ودسيس مان وإبراهيم بقال، باتت احتمالات واردة، بل متوقعة، فهذه هي طريقة التنظيمات المتصدعة.. تُطهر نفسها من الداخل بدم أبنائها، وتبحث في القمع عن تماسك مفقود.

إن تمسك الدعم السريع بخطاب القوة والبطش بات يُظهره أكثر ضعفاً، لا أكثر تماسكاً. فالرهان على القمع لا يصنع الانضباط، بل يعجّل بالانهيار. وكل قيادي داخل هذا الكيان يدرك اليوم أن لا ضمانة لحياته إلا الطاعة العمياء، ولا مستقبل له خارج المليشيا سوى الشبهة والخيانة. ولذلك نرى الوجوه التي كانت بالأمس تمجّد “الدعم السريع”، تتحسس اليوم طريق الخلاص في صمت، وبعضها بدأ التواصل مع الجيش، والبعض الآخر ينتظر مصيراً مشابهاً لفضيل.

في المقابل، يبقى الجيش السوداني رغم ترهله الخيار الأقل سوءاً، لا لأنه مثالي، بل لأنه ما زال يحتفظ بشيء من الطابع المؤسسي الذي يمكن البناء عليه. الانشقاقات عن الدعم السريع التي شجّعها الجيش، واحتضانه لأسماء مثل أبو عاقلة كيكل، كشفت أن كثيراً من الضباط لم ينخرطوا في المليشيا إيماناً بها، بل طمعاً في سلطة. وعندما فشلت هذه السلطة، وأُغلقت الأبواب أمامهم، بدأوا رحلة العودة. هذه الانشقاقات وإن لم تكن نقية الدوافع، إلا أنها تُسرّع في زعزعة بنية الدعم السريع، وتزيد من وتيرة التآكل الذاتي.

لا ينبغي لأحد أن يذرف الدموع على مصير من اختاروا الوقوف مع مليشيا تلطخت أيديها بدماء الأبرياء. ولا مجال للتعاطف مع من ارتضى أن يكون أداة في مشروع فاشل ثم صرخ حين لفظه هذا المشروع. لكنّ الأهم من الحساب الأخلاقي، هو أن نقرأ اللحظة الراهنة كعلامة انهيار من الداخل، لا مجرد تصفية داخلية عابرة.

اعتقال عصام فضيل ليس سوى البداية. والبداية هذه ليست فقط لبداية التصفيات، بل لبداية النهاية. فحين تنهار الثقة، ويتحوّل القادة إلى سجّانين لرفاقهم، تُصبح المليشيا عبئاً على نفسها. وعندها، لن يسقطها الجيش، بل ستسقط وحدها. كل ما علينا فعله هو أن نراقب كيف يلتهم الثعبان ذيله، منتشياً بالخوف، جاهلاً أن الموت سيبدأ من فمه.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

Michael3572 على الفاشر مأساة وطن
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب