الإثنين, نوفمبر 3, 2025
الرئيسيةأحدث الأخبار"حميدتي".. بين خطاب التفكك ووهم القوة!

“حميدتي”.. بين خطاب التفكك ووهم القوة!

سودان تمورو:

لم يكن خطاب محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” سوى وثيقة سياسية مأزومة تكشف هشاشة رجلٍ يحاول أن يتماسك بينما يتداعى من الداخل. فهو خطاب أراد له صاحبه أن يظهر بمظهر المنتصر لكنه في جوهره حمل كل ملامح المنهزم:.. تناقضات حادة رسائل مشوشة محاولات يائسة لحفظ تماسك قوة فقدت بوصلة الهدف والمعنى.

الإشارة إلى “الاختراق الاستخباري للجيش” لا تعني إلا شيئاً واحداً.. أن الرجل بات يبحث في الهامش عن بطولات وهمية بعدما أفلت منه جوهر المعركة. فتباهيه باختراق الجيش ليس دليلاً على قوة بل اعتراف علني بدور عملائه وتحريض عليهم. من يخترق الجيش لا يمكن أن يدّعي الوطنية ومن يفتخر بذلك علناً لا يسعى لبناء وطن بل لتفجيره من الداخل.

وحين ينتقل حميدتي للحديث عن القوات المشتركة لا يُخفي خوفه من تحالف قد يشكل ضده جبهة أكثر تماسكاً من مليشيته المتهاوية. فمحاولته اللعب على التناقضات المناطقية والقبلية بالإشارة إلى أن “عبدالله جنا” هو القائد الحقيقي هي دعوة صريحة لتفتيت الحلف المضاد له. أراد أن يقول لتلك الحركات.. أنتم من يقاتل فاحصلوا على نصيبكم كاملاً وهي دعوة مضمنة بالتحريض والانقسام. لكن الأدهى أن حديثه تضمن تحذيراً غير مباشر للجيش نفسه.. إن لم تعتنوا بهذا الملف فسأكسبه إلى صفي.

في محور العلاقات الخارجية أراد حميدتي أن يبدو لاعباً إقليمياً فربط الجيش بإيران ولوّح بموقفه الغاضب من السعودية وانتقد مصر في محاولة لإعادة صياغة مواقف الدول الفاعلة لصالحه. لكنه تجاهل أن موازين القوى في الإقليم لم تعد تتحرك بالأوهام. فالسعودية وإيران في مرحلة تقارب لا تستوعب صراعا جديدا. ومصر لا يمكن أن تراهن على مليشيا خارجة عن سيطرة الدولة. وأما واشنطن فهي تدرك تماماً طبيعة القوى التي يمكن أن تضمن مصالحها ولن يكون الدعم السريع جزءاً من هذه المعادلة.

التهديد باجتياح مدن جديدة لا يُقرأ إلا في سياق رفع الروح المعنوية لعناصر فقدوا الإيمان والتمويل. والأهم من ذلك هو اعتذاره العلني لجنوده عن التقصير ما يعكس انهياراً داخلياً حقيقياً فالقائد حين يخاطب جنوده بهذا الشكل لا يفعل ذلك من باب التواضع بل لأنه يواجه غضباً داخلياً يصعب احتواؤه. لم يعد الجنود يقاتلون عن قناعة بل عن مقابل وحين ينقطع المقابل تنهار الصفوف.

بل إن محاولته التنصل من جرائم قواته ليست سوى محاولة متأخرة لإعادة إنتاج صورة قيادية إنسانية لكنها تفشل حين تصطدم بالواقع الموثق من انتهاكات ومجازر ودمار طال المدنيين بلا رحمة.

إن خطاب حميدتي الأخير رغم محاولاته إظهار الثبات كان اعترافاً ضمنياً بالضعف. كان خطاباً يحاول التعلق بما تبقى من رماد وتقديم صورة القائد في معركة بلا أفق. أراد أن يقول إنه ما زال حاضراً لكنه لم يدرك أن الحضور الإعلامي لا يعوّض غياب الشرعية. وأن الوهم لا يصنع نصراً بل يؤجل الهزيمة.

في النهاية لم يكن خطاب حميدتي سوى انعكاس لواقع آخذ في الانهيار. هو خطاب من يقاتل ليبقى لا لينتصر. من يعاني داخلياً ويحاول أن يصدّر أزمة إلى الخارج. من يرى تحالفاته تتفكك ويبحث عن رافعة إقليمية بلا جدوى. والتاريخ يقول بوضوح.. المليشيات قد تفرض واقعاً مؤقتاً لكنها لا تصنع دولة ولا تكتب المستقبل. خطاب حميدتي كان نداء سقوطٍ ممهوراً بكلمات التحدي لكنه في جوهره… وثيقة اعتراف بالهزيمة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب