سودان تمورو:
دخل الدين كسلعة يتم تداولها في سوق السياسة السُودانية بوصول الحركة الإسلامية والأخوان المُسلمين مُمثلين في جماعة الشيخ حسن الترابي إلي السُلطة بدءاً من الجبهة الإسلامية القوميّة وحتي المؤتمر الوطني، شهدنا خلالها كُل أنواع المُتاجرة في الدين بعد عملية إدخاله للسياسة في السُودان، وأنا هنا لست بحاجة إلي أمثلة أو شواهد، فالجميّع وقف على ذلك وشهد به بمن فيهم أعضاء من الجماعة الإسلاميّة أنفسهم وكثير من الإعترافات، وشهدنا عمليات التكسب من وراء الدين ولبسه عباءة للوصول للسُلطة والتمسُك بها، و وصلت المُتاجرة بالدين خلال عهد الإنقاذ لدرجة التندُر بما ظلّ يروج له عضوية الجماعة من منسوبي الحركة الإسلاميّة وتياراتها السياسية المُمسكة بالحُكم والسُلطة، وصل حد التشبيه للسفاح البشير بكبار الصحابة ومسألة الأحلام المنامية لكبار قيادات الوطني أمثال علي عثمان ونافع مع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وغيرها من مُتاجرات لكسب تعاطف الشعب السُوداني البسيّط المعروف بتدينه الوسطي تعبداً و “أخلاقاً وسلوكاً” ومحبته الكبيرة للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وظل نهج المُتاجرة بالدين موجوداً وبقوة في الخطاب السياسِي الذي ظلت تقدمه قيادات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في طوال فترة حكمهم المُمتدة إلى ثلاثين عاماً، حتى تم وسمهم بتجار الديّن لدي غالبية الشعب السُوداني، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو ليس فقط إرتكاز برنامجهم ومشروعهم السياسِي علي الدين فهذا ظلّ موجوداً في كثير من التيارات والقوي السياسِية في كُل الدنيا وفي العالم قديمه وحديثه، ولكن لأسباب تتعلق بدرجة مُباشرة في التناقض الرئيسي مابين السلوك والمثال والواقع والدين نفسه الذي يلتزمه ويعتنقه غالبية السُودانيين ويعرفونه، لذلك فقد توصل اغلب من بالسُودان أن هؤلاء ما هم إلا محض مُتاجرين بالديّن ومُحوليه إلي سلعة وبضاعة يتم الترويج بها لمشاريعهم السُلطوية وأداة يتم إدخالها في خطابهم السياسِي، وظل هذا النهج موجوداً إلى وقتنا هذا في الحرب الحالية وما أفرزته من واقع وسُلطات وحكومات مُتنازع عليها وعلي شرعيتها، والمُثير للسُخرية والتندر أيضاً أنه موجود في طرفي الحرب الجيش وكتائبه و المليشيا وأعوانها، يأتي كمثال “حميدتي” مُخاطباً جنوده فتجده يوصيهم بالصلاة والذكر والدعاء؟؟؟
وأنهم مجاهدون وفي الصِّراط المستقيم ومع الحق ، وأنه القائد الأمير المتدين الورع الصادق الأمين كما وصفه بذلك “التعايشي” رئيس وزراء حكومتهم في تأسيس؟؟ ، والذي لم يكتفي بذلك بل إمتد به التطبيل و “تكسيّر التلج” لدرجة تشبيهه بالرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام؟؟؟ والتعايشي هنا مثله ومثل من تعودنا مشاهدتهم طوال عهد الإنقاذ في المُتاجرة بالديّن وتحويله لسلعة سياسِية ولخدمة أغراض السُلطة والتأثير والنفوذ علي البُسطاء والمساكين من بنات وأبناء الشعب السُوداني، بينما الحقيقة ان الطرفين والذين يستخدمون ذات المُفردات والعقيدة العسكرية الجهادية والتكبير والتهليل والنصر والشهادة ظلوا يرتكبون كُل جرائم الحرب ومايندي له الجبيّن والموبقات وعظائم الأمور التي قطعاً ليس بينها وبين الديّن ولا الأخلاق والضميّر والمرؤة أي علاقة لا من قريب أو بعيّد….
إنها ذات المُتاجرة بالدين و ذات الخطاب السياسِي الضحل والموغِل في الضعف والإنتهازية السياسِية يتكرر منذ الإنقاذ وحتي تأسيس ، لافرق؟؟؟
نحتاج إلى الخروج من كُل هذا إلي خطاب سياسِي رشيّد وصادق وقبله إلي قيادات أمينة ونزيهة وواعيّة وشُجاعة تعمل علي تقديم الخطاب السياسي الذي ليست به مُتاجرة لا بالديّن لا باحلام البُسطاء من السُودانيّن، وفيه إنحياز حقيقي للضُعفاء والكادحيّن والمُهمشيّن وليس إتجار بهم أو بما يعتقدون من دين سواء إسلامي أو مسيحي أو غيره من مُعتقدات، فالأهم لكل هؤلاء هو شعورهم بالأمن والإكتفاء والإطعام من الجوع والإرتواء من العطش و الإهتمام بالتعليم والصحة والخدمات والتنميّة لهم ثم بالحرية والمساواة والعدالة في وطن يجمعهم جميعاً وليس وطن للنهب والقتل والعُنف والإغتصاب والسرقة والفساد والرشاوي وتكميم الأفواه والإعتقال والقهر والتطبيل والضحالة السياسِية والمُتاجرة بالدين وكريم المُعتقدات….
الراكوبة