الجمعة, أكتوبر 10, 2025
الرئيسيةمقالات الرأيعزالدين الصافي: من حقول دارفور إلى منصة الوصول الإنساني بقلم د. أحمد...

عزالدين الصافي: من حقول دارفور إلى منصة الوصول الإنساني بقلم د. أحمد التيجاني سيد أحمد

سودان تمورو:

في زمنٍ تتشابك فيه السياسة بالإنسانية، وتتعقّد فيه خطوط الإغاثة بقدر ما تتشابك الجبهات، يظهر المهندس عزالدين محمد أحمد الصافي كرجل مرحلةٍ استثنائية. فقد جمع بين الخبرة الأممية، والمعرفة التقنية، والوعي السياسي المتقد بطبيعة المجتمع السوداني وتوازناته الدقيقة.

اختياره لقيادة الهيئة الوطنية للوصول الإنساني بدرجة وزير لم يكن صدفة، بل جاء في لحظةٍ يتطلّب فيها العمل الإنساني عقلًا منفتحًا، وقلبًا صلبًا، وقدرةً على الجمع بين الإنسان والسياسة دون أن يختلطا أو يتنازعا.

من الزراعة إلى الدبلوماسية الإنسانية

تخرّج المهندس عزالدين الصافي في كلية الزراعة، فحمل معه منطق الأرض والزرع، ومنهج الميدان لا المكاتب. بدأ مسيرته في برنامج الأغذية العالمي (WFP) في الضعين ونيالا، حيث واجه واقع الجوع والنزوح وجهًا لوجه. هناك تعلّم أن الإغاثة ليست مجرد شحنة تُرسل، بل علاقة ثقة تُبنى بين الناس والمؤسسات.

لاحقًا، تولّى مهام منسق قطاع الأمن الغذائي (FSL Sector Coordinator) ضمن برنامج الأغذية العالمي بالسودان، قبل أن ينتقل إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في ملفٍّ بالغ الحساسية: نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج (DDR). شغل فيه مناصب مستشار DDR (2009–2012) وضابط وطني في غرب دارفور (2012–2014)، حيث تعامل مباشرة مع آثار الحرب ومآلاتها الإنسانية والاجتماعية.

ثم امتدت تجربته إلى تونس عبر Open Society Foundations، حيث عمل على ملفات الأمن الغذائي الإقليمي، جامعًا بين الخبرة الميدانية والرؤية الاستراتيجية. وعاد بعدها إلى السودان ليقود مفوضية الأمان الاجتماعي وخفض الفقر، ساعيًا إلى إرساء سياسات واقعية تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، قبل أن يُعفى في عام ٢٠٢٣.

من الميدان إلى المفاوضات

إلى جانب عمله الأممي، برز اسم الصافي في المشهد السياسي والعسكري كمستشارٍ أول لقائد قوات الدعم السريع، وعضوٍ في وفودها التفاوضية في جدة وجنيف. هذا الدور جعله أحد مهندسي “الدبلوماسية الإنسانية” داخل بيئةٍ تعاني من انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة. فقد كان يرى أن العمل الإنساني لا يُدار بالشعارات، بل بالقدرة على بناء الجسور بين المتحاربين والمنظمات والمجتمعات المتضررة.

ورغم حساسية موقعه السياسي، ظلّ الصافي حريصًا على أن لا تُختزل التجربة الإنسانية في صراع السلاح، بل أن تبقى جزءًا من مسار الدولة السودانية نحو إعادة التأسيس وبناء السلام الشامل.

المهمة الجديدة: الوصول كحقّ لا كامتياز

اليوم، ومع تولّيه رئاسة الهيئة الوطنية للوصول الإنساني، يقف الصافي أمام واحدة من أعقد المهام في تاريخ السودان الحديث: تنظيم دخول وخروج العاملين الإنسانيين، وتأمين ممرات المساعدات، وبناء الثقة مع المانحين الدوليين، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمنظمات الإنسانية.

إن نجاحه لن يُقاس بعدد التصاريح الصادرة أو القوافل العابرة، بل بقدرته على بناء منصة وطنية محايدة وفاعلة، تُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع الدولي، وتضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها دون تسييسٍ أو تمييزٍ أو استغلالٍ في الحرب.

بين التجربة والأمل

من الضعين إلى جنيف، ومن حقول دارفور إلى قاعات الأمم المتحدة، ظل عزالدين الصافي قريبًا من الإنسان السوداني في أكثر لحظاته هشاشة. واليوم، حين تعصف الكارثة بالوطن، وتُهدد المجاعة الملايين، تبدو مهمته كأنها تتويجٌ لتجربة طويلة، واختبارٌ لقدرة “أبناء الميدان” على إدارة ما فشل فيه محترفو السياسة.

إذا نجح الصافي في أن يجعل من “الهيئة الوطنية للوصول الإنساني” منصةً شفافةً ومسؤولة، فسيكون قد قدّم للسودان نموذجًا جديدًا في الدبلوماسية الإنسانية، يرفع قيمة الإنسان فوق الولاءات، ويجعل من الإغاثة جسرًا نحو سلامٍ دائم وعدالةٍ مستدامة.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
قيادي ومؤسس في تحالف تأسيس السودان

الراكوبة

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب