الإثنين, أكتوبر 6, 2025
الرئيسيةأحدث الأخبارالخرطوم وجوبا.. حين تعود الكلمات لتبني ما هدمته الحرب

الخرطوم وجوبا.. حين تعود الكلمات لتبني ما هدمته الحرب

سودان تمورو:

صباحٌ غير عادي في قاعة الأمانة ببورتسودان. عند التاسعة تمامًا، بدأ منبر وكالة السودان للأنباء (سونا) فعاليته التي جمعت وزيري خارجية السودان وجنوب السودان، في حضورٍ إعلامي لافت، تكدست فيه عدسات القنوات المحلية والعالمية، وكأنها تُدرك أن ما سيقال اليوم ليس مجرد بيان دبلوماسي آخر، بل محاولة لفتح نوافذ جديدة بين بلدين فرّقتهما الجغرافيا ووصل بينهما التاريخ والدم والمصير المشترك.

زيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي بجمهورية جنوب السودان، السفير ماندي سمايا كنت كومبا، إلى السودان، التي استمرت من الرابع حتى السادس من أكتوبر، بدت أكثر من زيارة بروتوكولية. كانت رسالة تضامن وتذكير بأن ما يجمع الخرطوم وجوبا لا يُمحى بالسياسة ولا بالحرب.

اللقاءات التي أجراها الوزير الزائر مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق مالك عقار، ورئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، ووزراء النفط والداخلية ومدير المخابرات العامة، أكدت جميعها أن العلاقة بين البلدين تقف اليوم عند مفترق طرق حقيقي: فإما أن تُستعاد بروح التعاون والتكامل، أو أن تترك لرياح الخلافات القديمة أن تعبث بما تبقّى منها.

ولذلك، لم يكن غريبًا أن يكتفي الطرفان في ختام الزيارة بـ بيان مشترك واحد، دون مؤتمرات مطوّلة أو تصريحات متباينة. فالصمت أحيانًا أكثر صدقًا من الكلام.

البيان حمل مضامين واضحة: تفعيل اللجان المشتركة، إنشاء لجنة اقتصادية بين البلدين، فتح نوافذ مصرفية وتجارية، وتسهيل حركة البضائع عبر ميناء بورتسودان، مع مقترح تخصيص منطقة حرة لجنوب السودان.

لكن خلف هذه البنود الفنية، تكمن روحٌ جديدة لعلاقةٍ تتشكل من رمادها، بعد أن ألحقت الحرب في السودان أذىً بالغًا بجسور التواصل مع الجنوب، حتى بدت وكأنها ضُربت في مقتل.

في المنبر، كانت لغة الجانبين حذرة، لكنها مشبعة بالأمل.

الوزيران تحدثا عن التاريخ المشترك، عن العائلات الممتدة بين البلدين، عن التجارة والحدود والأمن، وعن ضرورة أن تتعاون الأجهزة المختصة في تبادل المعلومات لمواجهة التحديات المشتركة.

لكن ما بين السطور، كان الإحساس العام أن البلدين يختبران إمكانية النهوض من جديد، في لحظة دقيقة تعاد فيها صياغة الموازين في المنطقة كلها.

عند نهاية المنبر، لم تكن الكاميرات وحدها التي غادرت القاعة وهي تبحث عن زاوية أفضل، بل غادر الجميع وهم يدركون أن البيان المشترك لم يكن مجرد ورقة سياسية، بل وعداً خافتاً بإحياء علاقة طال انتظارها… علاقة ربما لم تنكسر تمامًا، لكنها كانت تحتاج إلى من يعيد ترميمها بالكلمة والنية الطيبة.

وربما كانت جوبا والخرطوم تشبهان شقيقين افترقا على ضفة نهر، لكن النهر ظل يجري بينهما لا يعترف بالحدود. فكل مرة تشتد فيها الأزمات، يعودان ليبحثا عن بعضهما، كما لو أن الفطرة أقوى من السياسة، والجوار أصدق من الخلاف.

اليوم، في بورتسودان، لم يكن البيان المشترك مجرد حبر على ورق، بل محاولة صادقة لالتقاط أنفاس علاقة أنهكتها الحرب، وإعادة رسم ملامحها من جديد على ضوء المصلحة والمودة.

فما بين الخرطوم التي تحاول أن تنهض من رمادها، وجوبا التي تمد يدها بثبات، تُكتب الآن فصول جديدة من حكاية بلدين لم تنطفئ بينهما جذوة الأخوّة مهما اشتدت العواصف.

سونا

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب