الإثنين, أكتوبر 6, 2025
الرئيسيةمقالات الرأيصِراع العمالقة.. حين تتبدّل الموازين ولا يتبدّل المنطق!.. بقلم أماني عبدالرحمن

صِراع العمالقة.. حين تتبدّل الموازين ولا يتبدّل المنطق!.. بقلم أماني عبدالرحمن

سودان تمورو:

يمرّ العالم اليوم بمرحلة دقيقة من التحول الجيوسياسي، تتراجع فيها هيمنة القطب الواحد لصالح تعددية ناشئة، تتصدرها روسيا والصين كقوتين صاعدتين تسعيان إلى منافسة الغرب. غير أن السؤال الأعمق والأكثر جوهرية هو: هل سيصبح العالم أفضل إذا أصبحت هاتان القوتان قادرتين على مقارعة الغرب ومشاركته قيادة النظام الدولي؟

الجواب، ببساطة، لا يكمن في تبدّل الأسماء ولا تبدّل الأعلام، بل في فهم منطق السياسة الدولية ذاته. فالثورة الحقيقية في العلاقات الدولية لا تتحقق بمجرد تغيّر موازين القوى، بل حين تتغيّر طبيعة المنظومة التي تحكمها. أما ما نشهده اليوم فليس ثورة، بل إعادة توزيع لمقاعد النفوذ فوق الطاولة ذاتها، حيث المصلحة تظل المحور الثابت، والعدالة مجرد شعار يُستدعى حين تخدم الغاية.

روسيا والصين، رغم طموحهما الواضح إلى كسر احتكار الغرب للقرار العالمي، لا تسعيان إلى تقويض النظام السياسي والاقتصادي القائم بقدر ما تطمحان إلى انتزاع حصة أوسع داخله. إنهما تريدان اعترافاً بمصالحهما الحيوية في مناطق نفوذهما، وتعديلاً في قواعد اللعبة التي صاغها الغرب حين كان في ذروة قوته. غير أن هذا الطموح لا يعني بالضرورة ميلاد نظام أكثر عدلاً أو أخلاقية، بل يعني ببساطة دخول لاعبين جدد إلى حلبة الصراع القديمة، حيث تتبدّل الرايات لكن لا تتبدّل الغايات.

التاريخ القريب شاهدٌ لا يُكذّب: الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانت سباقاً محموماً على النفوذ لا على القيم. العالم احترق بحروبهما بالوكالة، والضحايا كانوا دائماً من الشعوب التي وُظفت أراضيها كمسرح لتصفية الحسابات الكبرى. لم يكن الصراع بين الليبرالية والشيوعية كما رُوّج له، بل بين مصالح متضاربة تتخفّى خلف شعارات أيديولوجية.

اليوم، ومع صعود موسكو وبكين، يتكرر المشهد بألوان جديدة: حروب اقتصادية وتجارية، سباقات تسلح تكنولوجي، تمدد في مناطق النفوذ، واستثمار للأزمات العالمية كورقة ضغط سياسية. إنها النسخة الحديثة من قانون الغاب الدولي، حيث لا مكان للأخلاق إلا في خطابات المؤتمرات الصحفية.

وهنا يبرز السؤال المصيري: ماذا عنّا نحن؟

هل ننتظر أن يتفضّل أحد الأقطاب الجديدة علينا بنظام أكثر عدلاً؟ إنَّ من يعلّق آماله على تنافس القوى الكبرى ليُصلح العالم، كمن ينتظر من الذئب أن يحرس القطيع. لا الشرق ولا الغرب يحملان مشروعاً خلاصياً للبشرية، فكلاهما أسيرٌ لمنطق المصلحة لا لقيم العدالة.

إنَّ خلاص الأمة الإسلامية لن يأتي من خارجها، بل من داخلها. لا يمكننا أن نكون مجرد أوراق تفاوض أو مناطق نفوذ بين الكبار. علينا أن نصوغ قوتنا بأيدينا، عبر وحدة استراتيجية تجمع إرادتنا المبعثرة، وعبر نهضة علمية واقتصادية تخرجنا من موقع التابع إلى موقع الفاعل. فالعالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يسمع إلا صوت من يملك قراره ومصدر قوته.

التعددية القطبية قد تمنح النظام الدولي قدراً من التوازن، لكنها لن تمنحه ضميراً. العالم لن يصبح أفضل بتعدّد الأقطاب، بل بتغيّر المنطق الذي يحكمها. وإن لم تكن لنا نحن المسلمين كلمة في صياغة هذا المنطق، فسنظل ندور في فلك الآخرين، مهما تبدّلت وجوه الأقطاب وأعلامهم.

إنها معركة وعي قبل أن تكون معركة نفوذ. فإذا أردنا مكاناً في هذا العالم المتصارع، فعلينا أن نصبح نحن القطب الذي يجمع بين المصلحة والمبدأ، بين القوة والقيم. فحينها فقط يمكن للعالم أن يتنفس شيئاً من العدالة، لا لأن الشرق صعد أو الغرب تراجع، بل لأن أمةً قررت أن تصنع مستقبلها بيدها، لا أن تنتظر من الآخرين منّةً أو رحمة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب