سودان تمورو:
ما كشفه عبد العزيز أوري، مسؤول الإعلام بحكومة إقليم دارفور، ليس مجرد تصريح عابر، بل هو توثيق لجريمة بشعة تُضاف إلى سجل حالك السواد لقوات الدعم السريع. استخدام أسلحة محظورة دولياً ذات روائح وغازات مجهولة، عبر طائرات مسيّرة على مدينة الفاشر، هو عمل إجرامي مكتمل الأركان وجريمة حرب لا لبس فيها. إن هذا السلوك الوحشي يُجسد استخفافاً مطلقاً بالحياة الإنسانية وازدراءً فاضحاً لكل القوانين الدولية والمواثيق التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
لقد تجاوزت قوات الدعم السريع كل الحدود، فلم يعد ما تقوم به يدخل في نطاق “النزاع المسلح” بل في خانة الجرائم ضد الإنسانية. القصف بأسلحة تطلق غازات تسبب التشنجات والاختناق والعاهات بين الأبرياء هو سلوك لا يصدر إلا عن تنظيم إرهابي فقد صلته بالإنسانية والدين والوطن. وما جرى في الفاشر ليس حادثة معزولة، بل حلقة جديدة في مسلسل طويل من الانتهاكات التي طالت المدنيين في دارفور وعموم السودان، من القتل الجماعي والاغتصاب والنهب إلى استخدام الأسلحة الكيميائية في وضح النهار وكأن حياة السودانيين لا تساوي شيئاً.
إن ما ترتكبه قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” هو إعلان حرب على القيم الإنسانية، واعتداء صريح على ضمير العالم. فحين تُستخدم الطائرات المسيرة لإلقاء رؤوس متفجرة تطلق غازات وروائح مجهولة على أحياء سكنية، وحين تظهر حالات تشنجات واختناق بين المدنيين، فإننا أمام جريمة حرب كبرى تستوجب تحقيقاً دولياً عاجلاً ومحاسبةً لا تعرف المجاملة أو التسييس. السكوت على هذه الأفعال يعني التواطؤ، وأي تهاون في محاسبة مرتكبيها هو مشاركة ضمنية في الجريمة.
إن الإصرار المرضي من قبل حميدتي على التمسك بالسلطة عبر الدم والنار يفضح جوهر مشروعه القائم على العنف والدمار. فكيف يمكن لمن يقتل شعبه بأسلحة محرمة أن يدّعي السعي لحكم البلاد؟ وكيف يمكن أن يلقى الله من حمّل نفسه وزر آلاف الضحايا والمشوهين والمحرومين؟ إن من يطلق الغازات السامة على الأبرياء لا يختلف عن الطغاة الذين خلدهم التاريخ في سجلات العار من هتلر إلى صدام إلى الأسد، ولن يكون مصيره أفضل.
المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي صارخ: إما أن يتحرك الآن لحماية المدنيين في الفاشر ومحاسبة الدعم السريع على جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية، أو أن يعلن تواطؤه بالصمت. يجب أن يُفتح تحقيق دولي عاجل بإشراف الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لجمع الأدلة وتحليل العينات وتحديد المسؤولين المباشرين عن هذا الانتهاك. كما يجب فرض عقوبات مشددة على قيادات الدعم السريع، وعلى رأسهم حميدتي، وإحالة الملف فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ما حدث في الفاشر ليس مجرد تجاوز للقانون، بل طعنة في قلب الإنسانية. إنه امتحان حقيقي لمدى التزام العالم بمبادئ العدالة والضمير. وإذا لم يتحرك العالم الآن، فسيسجَّل في التاريخ أن دارفور استُبيحت مجدداً بالغازات السامة وسط صمت دولي جبان.
كفى يا حميدتي… كفى قتلاً وإذلالاً للشعب السوداني.
كفى استخداماً للأسلحة المحرمة، وكفى عبثاً بدماء الأبرياء.
إن الفاشر تصرخ اليوم نيابة عن كل السودان: لن تُمحى هذه الجريمة، ولن يسقط حق الضحايا بالتقادم.