الأحد, أكتوبر 19, 2025
الرئيسيةأحدث الأخبارإصلاح منظومة وقود الطائرات في السودان

إصلاح منظومة وقود الطائرات في السودان

سودان تمورو:

ضمن سلسلة: تحديات ما بعد الحرب – إصلاح قطاع الطيران المدني
1.مقدمة
يُعدّ وقود الطائرات أحد المكونات الحيوية في منظومة الطيران المدني، إذ تتوقف عليه كفاءة التشغيل وسلامة الرحلات واستدامة حركة النقل الجوي.
وقد شكّل مطار الخرطوم، حتى ثمانينيات القرن الماضي، محطةً رئيسية للهبوط الفني (Technical Landing) للطائرات العابرة بين أوروبا وأفريقيا، لما تميز به من خدمات تزويد بالوقود عالية الجودة تُدار بواسطة شركات عالمية ذات خبرة طويلة مثل شل البريطانية، موبيل الأمريكية، وتوتال الفرنسية.
كانت بنية المطار في ذلك الوقت تعتمد على مزرعة وقود (Fuel Farm) متكاملة، مربوطة بشبكة من الأنابيب والآبار الأرضية على النمط المتبع في كبرى المطارات الدولية، ما ضمن استقرار الخدمة وسلامة الإمداد.
2.مرحلة الانسحاب والتحول المحلي
مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، انسحبت الشركات العالمية الثلاث تباعًا، لتدخل شركات محلية محدودة الخبرة والإمكانات.
ومنذ ذلك الحين، سيطرت على سوق وقود الطائرات في شركات سودانية ، ومع غياب المنافسة، بدأت أسعار وقود الطائرات في السودان بالارتفاع حتى أصبحت من الأعلى في المنطقة العربية والأفريقية.
وفي ذات الوقت، تدخلت المؤسسة العامة للنفط في تسعير الوقود بإضافة رسوم جديدة تحت مسمى “رسوم الأنبوب”، بينما توقفت معظم اختبارات الجودة والمطابقة الفنية التي كانت تجرى بصرامة على المخزون في مراحل الاستلام والتخزين والتوزيع.
كما استولت تلك الشركات المحلية على مستودعات التخزين في بورتسودان ومطار الخرطوم ، ما أفقد سلطة الطيران المدني السيطرة الفنية على أحد أهم مكونات تشغيل المطار.
3.مبادرة الإصلاح (2021)
سعيًا لتخفيض التكلفة وتحسين الكفاءة التشغيلية، توصلت سلطة الطيران المدني في عام 2021م إلى اتفاق مع المؤسسة العامة للنفط يقضي بما يلي:
•أن توفر مصفاة الجيلي احتياجات مطار الخرطوم اليومية من الوقود المكرر محليًا (بمعدل 264 ألف لتر يوميًا).
•أن يتم الاستغناء عن استيراد الوقود الجاهز من بورتسودان.
•أن تُخفّض رسوم الأنبوب، مع التزام سلطة الطيران بدفع القيمة اليومية بالعملة الحرة.
كان الهدف من هذه الخطوة هو تقليل التكاليف التشغيلية للطيران المدني، وإعادة ضبط منظومة التسعير بما يخدم الناقل الوطني والشركات العاملة في السوق المحلية.
لكن سرعان ما توقف المشروع قبل أن يرى النور، لتستمر الأزمة الهيكلية في قطاع وقود الطيران حتى اليوم.
4.التحليل الفني والاقتصادي
•غياب نظام المنافسة العادلة أدى إلى احتكار فعلي لسوق الوقود الجوي علي عدد محدود من الشركات.
•اعتماد آلية تسعير غير شفافة أدّى إلى تآكل هوامش التشغيل لدى شركات الطيران المحلية.
•عدم وضوح ملكية وإدارة مستودعات الوقود في مطار الخرطوم وبورتسودان جعل من الصعب فرض مسؤولية قانونية واضحة عند حدوث أي خلل في السلسلة اللوجستية.
•غياب قاعدة بيانات فنية مركزية لمراقبة نوعية الوقود ومصادره زاد من هشاشة المنظومة.
5.مقترحات الإصلاح
1.إعادة تأهيل مزرعة الوقود بمطار الخرطوم وفق المعايير الدولية (JIG – Joint Inspection Group).
2.فصل إدارة التخزين والتوزيع عن التسعير ووضعها تحت إشراف فني مباشر من سلطة الطيران المدني.
3.إعادة تنظيم تراخيص الشركات العاملة وربطها باعتماد فني من الإيكاو وهيئة المواصفات والمقاييس السودانية.
4.إلغاء رسوم الأنبوب غير المبررة، ووضع تسعيرة موحدة شفافة مرتبطة بسعر البرميل العالمي وتكلفة النقل الفعلية.
5.إعادة بناء الثقة مع الشركات العالمية الرائدة في مجال وقود الطيران لتأمين الدعم الفني والمواصفات المخبرية.
6.إنشاء وحدة مستقلة لإدارة وقود الطائرات تتبع مباشرة لسلطة الطيران المدني، على أن تكون لها ميزانية خاصة وتنسيق مع وزارة الطاقة في الإمداد الفني.
7.إعادة النظر في عقود تخزين بورتسودان والخرطوم وإخضاعها للمراجعة القانونية والمالية لضمان حماية الأصول العامة.
تمثل قضية وقود الطائرات في السودان نموذجًا لانهيار منظومة فنية واقتصادية بسبب غياب الحوكمة والشفافية.
وإذا أُريد للطيران المدني أن يستعيد عافيته بعد الحرب، فإن إصلاح منظومة الوقود يجب أن يُدرج ضمن أولويات إعادة البناء المؤسسي، باعتباره أحد أعمدة التشغيل وسلامة الطيران الوطني والدولي.

كتب:إبراهيم عدلان

اخبارالسودان

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب