الإثنين, نوفمبر 10, 2025
الرئيسيةمقالات الرأيالفاشر: لحظة الانكشاف الاستراتيجي التي فتحت أبواب التدخل الإقليمي بقلم محمد هاشم...

الفاشر: لحظة الانكشاف الاستراتيجي التي فتحت أبواب التدخل الإقليمي بقلم محمد هاشم محمد الحسن

سودان تمورو:

في أعقاب سقوط مدينة الفاشر، لم يكن المشهد السوداني وحده من اهتز ، بل ارتجّت معه حسابات الأمن
الإقليمي، وتبدّلت أولويات الدول المحورية في المنطقة. تقرير موقع (Middle East Eye) كشف عن
تحولات دقيقة لا تُقرأ فقط في سياق الدعم العسكري، بل في إطار إعادة هندسة التوازنات الجيوسياسية، حيث
باتت مصر وتركيا تتحركان وفق منطق التنفيذ لا الاحتمال، والتدخل لا التحليل.

القاهرة، التي لطالما اعتبرت السودان امتدادًا استراتيجيًا لأمنها القومي، لم تكتفِ برصد سقوط الفاشر كحدث
عسكري، بل قرأته كخرق لخط أحمر يستوجب إعادة تموضع عاجلة. التقرير يشير بوضوح إلى أن مصر تعمل
على إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع الجيش السوداني في مدينة الأبيض، مزودة بأنظمة إنذار مبكر ورادارات
متقدمة، بهدف تنسيق العمليات العسكرية في كردفان، واستعادة المدن الكبرى، ووقف تمدد قوات الدعم السريع.
هذه الغرفة ليست فكرة قيد الدراسة، بل خطوة قيد التنفيذ، تُدار من قلب الميدان، وتُعكس فيها إرادة سياسية
واضحة لإعادة بناء القدرات القيادية والاستخباراتية للجيش السوداني.

لكن الأهم من ذلك أن التقرير يُلمّح إلى ترتيبات أوسع بين الجيشين المصري والسوداني، تشمل عمليات
مشتركة في منطقة المثلث الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان، وكذلك على امتداد الحدود السودانية المصرية.
هذه المناطق، التي لطالما كانت نقاط تماس هشة، تتحول الآن إلى مساحات تنسيق ميداني، تُرسم فيها خرائط
الردع، وتُجهّز فيها وحدات التدخل السريع، في ما يبدو أنه استعداد مصري–سوداني لاحتواء أي تمدد محتمل
لقوات الدعم السريع نحو الشمال الغربي. وقد أشار التقرير إلى وجود تعزيزات مصرية على الحدود مع
السودان، تشمل قوات برية وجوية، ما يعكس جدية القاهرة في التعامل مع التهديدات المحتملة.

التحرك المصري لا يُقرأ كدعم رمزي، بل كإعادة تعريف للحدود الأمنية، حيث لم تعد دارفور بعيدة، ولا
كردفان هامشية، بل صارت جزءًا من معادلة الأمن القومي المصري، تُدار فيها العمليات وفق منطق التداخل لا
المجاورة. هذا التوسع في التنسيق العسكري، كما ورد في التقرير، يشمل مناقشة خطط عملياتية مشتركة،
وتزويد الجيش السوداني بأنظمة استطلاع إلكترونية، في ما يبدو أنه تأسيس لمنصة قيادة مشتركة تُراقب وتُوجّه
وتُنفّذ.

في المقابل، يأتي الدور التركي ليُعزز هذا الاصطفاف، لا عبر التصريحات، بل عبر أدوات التنفيذ. التقرير
يُبرز أن أنقرة تقف إلى جانب مصر في دعم الجيش السوداني، وتُخطط لتزويده بطائرات مسيّرة مسلحة تُستخدم
لضرب قوافل الإمداد التابعة لقوات الدعم السريع، القادمة من ليبيا وتشاد. هذا الدعم، الذي يُنفّذ عبر آليات تقنية
دقيقة، يُعيد التوازن الجوي في حربٍ طغى عليها الطابع البري، ويُمنح الجيش السوداني قدرة على الرد من
الجو، في ظل تفوق الدعم السريع في الأرض.

السعودية، التي كانت حتى وقت قريب راعية لمحادثات جدة، تُعيد الآن تموضعها في المشهد. التقرير يُشير إلى
أن الرياض، بالتنسيق مع القاهرة، بدأت تميل بشكل حاسم نحو دعم الجيش السوداني، عبر قنوات دبلوماسية
واستخباراتية، وتنسيق أمني عالي المستوى. هذا التحول لا يُمكن فصله عن زيارة رئيس أركان الجيش
المصري إلى السعودية ثم إلى بورتسودان، بعد أربعة وعشرون ساعة من سقوط الفاشر. وهي زيارة تُقرأ
كجزء من غرفة عمليات سياسية–أمنية تُدار بموازاة الدبلوماسية المعلنة.

ما تكشفه هذه التحركات بهذا الوضوح من دولتين هما جزء من الرباعية الدولية، يُقرأ على أنه مؤشر
استراتيجي لتآكل فعالية المبادرة الرباعية في التوصل إلى هدنة إنسانية، لا إعلان نهائي لفشلها. فحين تُنفّذ
القاهرة وأنقرة ترتيبات عسكرية ميدانية، وتُنسق الرياض عملياتياً، فإن منطق التسوية يتراجع، ومنطق الحسم
يتقدم. الرباعية، التي كانت تُراهن على وقف إطلاق النار، تبدو الآن كأنها تُصارع واقعاً يتشكل على الأرض لا
في غرف التفاوض. هذا الانخراط يُعيد تعريف مفهوم (الوساطة)، ويُظهر أن القوى الإقليمية باتت تُفضّل إدارة
الحرب وفق مصالحها لا إنهاءها بأي ثمن.

لكن هذا التصعيد لا يُقرأ من طرف واحد. فكلما زاد الدعم الإقليمي للجيش، زادت احتمالات أن يسعى الدعم
السريع إلى توسيع تحالفاته أو الحصول على دعم مضاد، سواء من أطراف إقليمية منافسة أو عبر شبكات غير
رسمية. هذا قد يُدخل السودان في مرحلة توازن قسري، تُدار فيها الحرب كصراع بالوكالة، وتُصبح فيها كل
خطوة ميدانية انعكاسًا لتحالف خارجي.

وفي خلفية هذا المشهد، يمكن قراءة التحركات الإقليمية المتسارعة في ظل غياب اعتراض غربي واضح، بما
فيه الموقف الأمريكي، على أنها تجري ضمن هامش تفاهم دولي غير معلن، يسمح بإعادة ضبط ميزان القوى
الميداني دون تبنٍ صريح لأي طرف. هذا الصمت، وإن لم يكن تأييدًا مباشرًا، قد يُفسَّر لدى بعض الفاعلين
الإقليميين على أنه مساحة سياسية مرنة لإعادة التموضع، خاصة في ظل تصاعد الانتهاكات الميدانية وتعقّد
مسارات الوساطة، مما يُعيد تشكيل أولويات التدخل وفق منطق إدارة الأزمة لا إنهائها.

وفي هذا السياق، تطرح بعض القراءات فرضية أكثر جرأة، مفادها أن انسحاب الجيش السوداني من الفاشر لم
يكن فقط نتيجة ضغط عسكري، بل قد يكون انسحابًا محسوبًا، تم وفق تقديرات سياسية–ميدانية، تسمح بخلق
مبرر علني لتدخل مصري مباشر، وتُعيد ترتيب أوراق المعركة. فالفاشر، التي صمدت لعامين ونصف دون
دعم فعّال، سقطت فجأة، ثم خرجت القيادة العسكرية لتصف الانسحاب بأنه قرار منطقي.

هذا التوصيف، في توقيته، يُثير تساؤلات حول ما إذا كان الجيش قد رأى في سقوط المدينة فرصة لإعادة
تشكيل المشهد، وخلق حالة طوارئ تُبرر رفض جهود الرباعية، وتسويق انتهاكات الدعم السريع كورقة سياسية
تُستخدم لإعادة ضبط التحالفات. هذه الفرضية، وإن لم تكن مثبتة، تُعبّر عن منطق سياسي مألوف في الحروب
المعقدة، حيث تُستخدم لحظات الانهيار كمنصات لإعادة التموضع، لا كإعلانات للهزيمة.

السودان، في هذا المشهد، لم يعد فقط ضحية صراع داخلي، بل صار ساحة لتصفية الحسابات، وتثبيت النفوذ،
وإعادة رسم خرائط السيطرة. وما لم تُدرك القوى الدولية أن الحرب خرجت من نطاقها المحلي، فإن كل مبادرة
ستبقى مؤجلة، وكل هدنة ستبقى هشة، وكل دعم خارجي سيُعيد إنتاج الحرب لا إنهاءها.

الجزيرة

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -<>

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

Michael3572 على الفاشر مأساة وطن
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
عبدالقادر النصري عبدالقادر على اعلان تفاصيل استخراج الشهادة السودانية 2023
مكاوي الغالي محمد علي على مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب