سودان تمورو:
أصدرت السلطات السعودية قرارًا بسحب الجنسية من الفريق طه عثمان الحسين، في خطوة وُصفت بأنها ذات دلالات سياسية وسيادية تتجاوز البعد الشخصي، وتعكس تحوّلًا واضحًا في نهج المملكة تجاه إدارة ملفاتها الإقليمية، وعلى رأسها الملف السوداني.
ويأتي القرار في توقيت يحمل رسالة مباشرة تتعلق بإنهاء مرحلة سابقة اتسمت بتداخل الأدوار وغموض الحدود بين الرسمي والمؤسسي والاستخباراتي، حيث ارتبط اسم طه عثمان بأدوار غير مؤسسية، وتحركات خارج الأطر الرسمية خلال سياق إقليمي معقّد، خصوصًا في السودان.
ويعكس سحب الجنسية توجهًا سعوديًا جديدًا يقوم على قطع أي ارتباط مع شخصيات لعبت أدوارًا رمادية أو عملت كقنوات غير منضبطة في إدارة ملفات حساسة. فالمملكة، وفق هذا التحول، تتجه إلى سياسة التعامل المباشر مع الدول ومؤسساتها الرسمية، لا مع الأفراد، مع تشديد واضح على ضبط المجالين السياسي والأمني.
وقبل صدور القرار، كان وجود طه عثمان يعكس مرحلة من المرونة العالية في العلاقات السعودية–الإماراتية، حيث أُتيح هامش حركة واسع لبعض الشخصيات التي استفادت من تقاطع المصالح بين العاصمتين، خاصة في الشأن السوداني. تلك المرحلة قامت على إدارة التداخل وتدوير الزوايا، لا على الفرز الحاد بين المسارات.
أما اليوم، فيشير القرار إلى انتقال سعودي نحو مرحلة مختلفة، تقوم على وضوح الأدوار، وتقليص الاعتماد على الوسطاء، ورفض القنوات الرمادية التي تتحرك بين أجندات متعددة. ولا يعني ذلك قطيعة أو صدامًا مع الإمارات، بل تأكيدًا على استمرار الشراكة ضمن قواعد أوضح وحدود أدق، مع تشديد سعودي على استقلال قرارها في الملفات الإقليمية.
وفي البعد السوداني، يحمل القرار رسالة مفادها أن المملكة لم تعد تقبل بشخصيات عابرة للأنظمة أو مزدوجة الأدوار، وأن التعاطي سيكون حصريًا مع مؤسسات الدولة، لا مع الأفراد، مهما كانت مواقعهم أو علاقاتهم السابقة، بما يعكس تشددًا متزايدًا في إدارة الملف السوداني ضمن رؤية أكثر انضباطًا.
ومن الناحية الرمزية، يُعد سحب الجنسية من أقوى الإجراءات السيادية، وغالبًا ما يُستخدم عند انتهاء الثقة السياسية بشكل كامل. وفي هذا السياق، يمثل القرار إعلانًا سعوديًا هادئًا عن إغلاق مرحلة قديمة، وبدء أخرى جديدة تقوم على الوضوح والحسم، دون ضجيج إعلامي.
خلاصة القول
لا يستهدف القرار شخص طه عثمان بقدر ما يستهدف نموذجًا كاملًا من العمل السياسي غير المنظم، ويؤشر إلى انتقال سعودي واضح من إدارة الملفات عبر الأفراد إلى إدارتها عبر المؤسسات، ومن المرونة الرمادية إلى الوضوح والانضباط، في السودان وفي الإقليم عمومًا.
ألف ألف مبروك للسودان