سودان تمورو
يا أبا عبيدة، سلامٌ عليك وعلى السواعد التي ما ارتخت، وعلى البنادق التي ما أنزلت، وعلى الوجوه التي اسودّت من لهب المعركة وما خافت، وما ونت.
بلغنا صوتك يا أبا عبيدة، لا كمن يسمع خبراً عابراً، بل كمن تُصفع روحه بحقيقة دامغة، تنغرس في الضمير كما تنغرس الحربة في خاصرة الصمت. جاءنا خطابك لا كسائلٍ يُرجى جوابه، بل كنداءٍ تُساق له الأمة إلى ميزان الحساب.
لكن دعني أصرخها بملء صدري، نحن في السودان، في أرض النيلين، لا نخون ولا نساوم، ولا نحني الجباه إلا لله. نحن أبناء شهداء الفتح في كرري، أحفاد عبد الفضيل الماظ، من طين هذه الأرض خرجنا، ومن رصاصها نعرف السبيل.
نحن لسنا ممن يصافح الصهاينة من خلف الستار، ولسنا ممن يستجدي السلام بدم الشهداء. نحن من أعلنها واضحة في وجه المطبعين:
لا صلح..لا تفاوض.. لا اعتراف بالكيان.
في الوقت الذي تفتح فيه بعض العواصم أبوابها لسفارات الغدر، نحن نفتح قلوبنا لدعائكم، ونفتح ساحاتنا لصوتكم، ونفتح أرواحنا لمشروعكم المقاوم.
يا أبا عبيدة، لسنا متفرجين، بل شركاء. لا نتزين بالخذلان، بل نحمل الهمّ نفسه، والوجع نفسه، والعدو نفسه.
أخبر إخوانك أن في السودان رجالًا لا ينامون إلا على وقع المدافع في غزة. قولوا لهم إن في ود مدني ونيالا وكادقلي وبورتسودان قلوبًا تنبض لفلسطين، وأرواحًا أعدت للبذل، تنتظر ساعة الجهاد.
هذه معركتنا كلنا، ومن ظن أن فلسطين معركة فلسطينيين فقط، فهو ما عرف محمدًا، ولا سمع عن بدر، ولا وعى يوم الخندق.
نحن نبايعكم على الوفاء، ونشدّ على أيديكم، ونقولها كما قالها أصحاب الجنة:
“ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين”.
وإلى من ظن أن خذلان غزة لا يُسأل عنه، نقول:
إن فلسطين ليست مجرد جغرافيا، بل امتحان إيمان. وإن الساكت عن نصرتها، خائن بصمته، وخصيم بدفئه مع العدو.
والله إن دماء أطفال غزة، أشرف من كل مؤتمرات العرب، وإن بكاء الثكالى هناك، أطهر من كل خطابات الزيف.
نعم، ربما تأخرنا، لكننا لم ننس. وربما خذل بعضنا، لكننا لم نبع. وربما نامت العيون، لكن القلوب ما زالت مشتعلة رغم ما نمر به من عدوان من ذات العدو.
سطره عباس حربي
بمداد الفكرة والوفاء للمقاومة