سودان تمورو:
تنشط شركات تخزين العملات المشفرة المُتعثرة في عمليات إعادة شراء أسهم، في محاولة لمنع المزيد من التراجع لأسعار أسهمها، ما يمثل أحدث مؤشر على تراجع موجة «خزانات العملات المشفرة»، التي اجتاحت السوق هذا العام. ومن بين الشركات ذات التداولات المحدودة، التي تحولت إلى شراء العملات المشفرة قبل شهرين فقط، شركة ألعاب إلكترونية، وشركة مُصنّعة لعربات الغولف، وكلتاهما بدأت الآن في عمليات إعادة شراء أسهم، في محاولة لدعم أسعار أسهمها المتراجعة.
ويلجأ البعض إلى الاقتراض لتمويل عمليات الشراء. وقد اتخذت سبع شركات على الأقل، مثل هذه الخطوة في الأسابيع الأخيرة – خمس منها انخفضت قيمتها السوقية إلى ما دون قيمة ممتلكاتها من العملات المشفرة. ويأتي ذلك في ظل مخاوف بين المستثمرين من تشبع السوق، بل وبات كثيرون يطرحون تساؤلات حول نموذج أعمال «خزانات العملات المشفرة». قال آدم مورغان مكارثي كبير محللي الأبحاث في شركة تحليلات العملات المشفرة «كايكو»: «ربما تكون هذه حشرجات الموت لبعض من هذه الشركات».
وقامت شركة «سترايف أسيت مانجمينت» التابعة لـ «فيفيك راماسوامي»، بشراء شركة «سيملر ساينتيفيك»، وهي شركة تكنولوجيا رعاية صحية سابقة، تحولت إلى شركة لتخزين البيتكوين، في أول صفقة من نوعها لشركة خزانة عملات مشفرة متعثرة. ويسلط هذا الضوء على كيف أصبحت شركات الخزانة التي تتداول بأقل من قيمة الرموز التي تحتفظ بها أهدافاً ناضجة للاستحواذ.
وهذا العام، تكالبت عشرات الشركات، بما في ذلك بعض الشركات المدعومة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعائلته، إلى جمع الديون أو إصدار الأسهم وإنفاق الأموال على شراء العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثريوم والسولانا، في محاولة لتقليد قطب العملات المشفرة الأمريكي مايكل سايلور، والذي ارتفعت القيمة السوقية لشركته «استراتيجي»، إلى ما يزيد على 100 مليار دولار هذا العام، بعد أن بدأت في شراء البيتكوين في عام 2020.
لكن جنون التقليد يظهر علامات على فقدان الزخم، ولذلك، فإن معظم شركات إدارة العملات المشفرة الآن خاسرة، أو مجرد شركات وهمية، حيث يُعدّ إيمان المديرين التنفيذيين والمستثمرين بقيمة رموزهم، هو الدافع الوحيد وراء ارتفاع أسعار الأسهم.
وغيّرت شركة التكنولوجيا الحيوية «لايف ساينسيز 180»، اسمها إلى «إي تي إتش زيلا»، الشهر الماضي، وبدأت في شراء رموز الإيثريوم. وقد انخفضت أسهمها بنسبة 76 % عن ذروتها في أغسطس، وتُقدّر قيمة الشركة الآن بـ 416 مليون دولار، رغم حيازتها حوالي 460 مليون دولار من الإيثريوم.
وخلال الأسبوع الماضي، جمعت الشركة 80 مليون دولار كديون مضمونة، مقابل حيازاتها من الإيثريوم من شركة «كمبرلاند دي آر دبليو»، الذراع المتخصصة في العملات المشفرة بشركة «دي آر دبليو»، صانعة السوق التابعة لدون ويلسون. وستستخدم الشركة الأموال لشراء أسهمها كجزء من خطة إعادة شراء بقيمة 250 مليون دولار.
وصرح ماكاندرو روديسيل الرئيس التنفيذي لشركة «إي تي إتش زيلا»: «لا نزال نعتبر إعادة شراء الأسهم فرصةً واعدةً، واستخداماً مُجدياً لرأس المال». لكن بعض المحللين يرون أن عمليات إعادة الشراء هذه دليل على أن نموذج العمل الذي تقوم عليه شركات خزانة العملات المشفرة، ربما يكون قد بلغ نهايته.
وقال إليوت تشون الشريك في شركة الاستشارات المتخصصة في العملات المشفرة «أركيتكت بارتنرز»: «لم تمضِ سوى ستة أشهر، بينما نحن نتحدث الآن بالفعل عن زوالها». وأضاف: «نسبة ضئيلة جداً ستنجح». وقال إن جمع الأموال لإعادة شراء الأسهم بدلاً من إنفاقها على الرموز «يتناقض» مع مفهوم خزانة العملات المشفرة.
وأصبحت عمليات إعادة شراء الأسهم من قِبل الشركات المدرجة، شائعةً بشكلٍ متزايد في السنوات الأخيرة. وعادةً ما يقوم بها المسؤولون التنفيذيون عندما يعتقدون أن أسهم شركتهم مُقوَّمة بأقل من قيمتها الحقيقية. وعلى سبيل المثال، تشتري صناديق الاستثمار العقاري أسهمها الخاصة، عندما تنخفض قيمتها السوقية عن قيمة الأصول التي تمتلكها، لكن نموذج أعمال شركات خزانة العملات المشفرة مبني على فكرة أن قيمتها السوقية سترتفع بسرعة أكبر من قيمة حيازاتها من العملات المشفرة. وبالنسبة للشركات التي تُجري عمليات إعادة شراء الأسهم، لم يعد هذا يحدث بالمرة
. قال مورغان مكارثي من شركة كايكو: «إنهم يحاولون فقط كسب الوقت، والحفاظ على الوضع بقدر المستطاع، وتخفيف حدة الأمور حتى يتمكنوا من الاستفادة من موجة تالية من ارتفاع أسعار العملات المشفرة». وأشار إلى أن عمليات إعادة الشراء هذه «هي عملية دائرية للغاية. والكثير من هذه الشركات أشبه ببيت من ورق، وغالباً ما ستنهار بسرعة كبيرة».
وفي يوليو، تحولت شركة فولكون، ومقرها تكساس، والمتخصصة في تصنيع المركبات الرياضية الكهربائية، مثل عربات الغولف والدراجات النارية، إلى التركيز على شراء البيتكوين، وغيرت اسمها إلى «إمبيري ديجيتال»، ما أدى إلى ارتفاع سعر سهمها بنسبة 380 %، لكن سهم الشركة المدرجة في بورصة ناسداك تخلى منذ ذلك الحين عن كل تلك المكاسب.
ويوم الجمعة، قررت الشركة زيادة تسهيلات الدين من 25 مليون دولار إلى 35 مليون دولار، وجمعت 50 مليون دولار أخرى من الديون، لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم. وتبلغ القيمة السوقية لشركة إمبيري حوالي 378 مليون دولار، رغم أنها تمتلك بيتكوين بقيمة 476 مليون دولار. وصرح مورغان مكارثي بأن تكرار عمليات إعادة الشراء هذه «علامة على تشبع السوق»، ولذلك، تكافح الشركات للحفاظ على تقييماتها.
وفي يوليو، حصلت شركة كندية لبيع السجائر الإلكترونية، تُدعى «سي إي ايه إندستريز» على استثمار من المكتب العائلي لتشانغ بينج تشاو، المؤسس المشارك لمنصة بينانس، بهدف زيادة استثماراتها في عملة «بي ان بي»، وهي رمز سلسلة الكتل الخاصة ببينانس. وقد قفز سعر سهمها بأكثر من تسعة أضعاف في يوم واحد، لكنه تراجع منذ ذلك الحين إلى ما يقرب من حيث كان من قبل. وأطلقت الشركة خطة إعادة شراء بقيمة 250 مليون دولار.
وتشمل شركات الأصول الرقمية الأخرى، التي اتخذت هذه الخطوة «شاربلينك جيمينج»، وتمتلك الشركة رموز إيثر بقيمة 3.7 مليارات دولار، لكن قيمتها السوقية تبلغ الآن 3.3 مليارات دولار. وقد أطلقت برنامج إعادة شراء بقيمة 1.5 مليار دولار الشهر الماضي، لكن سعر سهمها انخفض بنسبة 20 في المئة منذ ذلك الحين. وتقول الشركة إن أسهمها «مُقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية بشكل كبير في السوق».
وتحتفظ شركة «تون استراتيجي» بعملة «تون كوين» الأصلية في سلسلة بلوك تشين، تطبيق المراسلة «تيليجرام»، وشرعت الشركة في خطة إعادة شراء أسهم بقيمة 250 مليون دولار، بعد أن انخفضت أسهمها بنسبة 75 في المئة عن ذروتها الشهر الماضي. ويفكر سيمون جيروفيتش رئيس «ميتا بلانيت»، أكبر شركة خزانة للعملات المشفرة في اليابان، في خطوة مماثلة، إذا انخفضت القيمة السوقية للمجموعة إلى ما دون قيمة حيازاتها من البيتكوين.
وقال إن الشركة ستصدر «أسهماً مفضلة، وربما تقوم عمليات إعادة شراء أسهم، ربما بالتزامن». ورغم انخفاض أسعار أسهم الخزانة المشفرة، يلتزم بعض المديرين التنفيذيين بشراء هذه العملات. ويرأس أليكس سبيرو، محامي إيلون ماسك، شركة خزينة دوجكوين، التي رفعت الأسبوع الماضي حيازاتها من الميمكوين من 500 مليون إلى 600 مليون دولار.
صحيفة البيان